ذكر العلماء والمؤرخون أن سيدنا عيسى -عليه السلام- ولد في مدينة بيت لحم، وبعد أن نفخ الله روحه في مريم العذراء لتحمل منه، قبلت السيدة مريم هذه المهمة وغادرت قريتها خوفاً من الاضطهاد؛ لأنها حملت وهي عذراء، فهل خلق -نبي الله- عيسى من الهواء كما قال البعض أم هذا الأمر غير حقيقي.

من هو النبي الذي خلق من هواء؟

قد استدل بعض الجاهلون من قوله تعالى: “وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي” على أن المسيح جزء من روح الله، وقد بين ابن القيم رحمه الله خطأ هذا الاستدلال بقوله: أما تعليلهم في إضافتها إلى الله سبحانه بقوله تعالى هذا، فيجب أن نعلم أن ما يضاف إلى الله سبحانه نوعان:

• الأول: الصفات التي لا توجد بذاتها، كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، هي إضافة صفة إلى الموصوف بها، وعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته صفات غير مخلوقة له، وكذلك وجهه ويده، سبحانه.
• الثاني: إضافة كائنات متميزة عنه، كالبيت، والجمل، والعبد، والرسول، والروح، وهي إضافة المخلوق إلى خالقه والمنتج إلى خالقه، ولكنه كذلك إضافة تقتضي التخصيص والشرف الذي يميز المضاف عن غيره، كبيت الله، مع أن البيوت كلها ملكه، وكذلك ناقة الله وإبله كلها ملكه وخلقه.

أمر الله تعالى سيدنا جبريل أن ينفخ في جيب درعه وهو طوق الرداء ومدخل الرأس، فنزلت الضربة بإذن الله ودخلت بطنه فصار روحا خلقها الله عز وجل وأوضح الله تعالى مبدأ خلق عيسى عليه السلام، فقال الله تعالى: “وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا”.

أن النفخ وصل إلى الفرج، وقال -عز وجل-: “قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا” يدل على أن الدافع هو جبريل وأنه لا يفعل شيئا إلا بأمر الله.

أدلة على كون سيدنا عيسى بشر

القرآن الكريم والسنة كلها تدل على أن المسيح إنسان خلقه الله من مريم، فصرح بأن الله عز وجل خلقه من مريم انثى بدون ذكر فهو إنسان بين البشر وأمه مريم بنت عمران، وليس له أب، فقال له الله: كن فكان كما أمره الله تعالى.

فقال في كتابه الكريم: “إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ۝ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” [آل عمران: 33-37].

كانت مريم وذريتها من بني آدم، لقد خلقها الله، وخلق ابنها عيسى ودعت أمها ربها أن يحفظها الله وذريتها من الشيطان الرجيم، وأرسل الله الملك جبريل ونفخ في فرج مريم، فحملت بعيسى – عليه الصلاة والسلام – كما قال الله تعالى: “وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ” [التحريم:12].

إلى هنا نكون قد انتهينا من مقالنا اليوم من هو النبي الذي خلق من هواء الذي تحدثنا فيه معكم عن كيف خلق نبي الله عيسى وحقيقة خلقه من الهواء.